بقلم ناصر موحى
أين الفقراء عوضا عن أين الثروة
وأنت تنهي قراءة نص خطبة الملك المغربي محمد السادس بمناسبة ذكرى مرور 16 سنة على تسلم مقاليد الحكم من ابيه الحسن الثاني ينتابك إحساس عارم بالرغبة في البكاء والضحك الهستيريين في الان .
فمضمون الخطاب في جزء منه يحيل إما : إلى أن صاحبه أو اصحابه لم يمضي على تحملهم المسؤولية سوى بضعة اشهر بعدما ازاحوا حزبا او تحالفا حزبيا فاسدا نقيضا لهم في كل شئ ، فلسفة وتنظيما وبرامجا وليسوا ورثة لنظام استفرد بكل القرارات المصيرية للمغرب منذ ستين سنة .وإما أن محرريه يعتقدون أن ذاكرة المغاربة سمكية او مصابة بمرض الزوهايمر ولاتتذكر كم من السنين التي يرزحون تحت سلطة نفس الوجوه ونفس التحالفات الطبقية .
لقد كان المغاربة ينتظرون من الملك ان يجيب عن سؤال مدوي طرحه في نفس الذكرى قبل سنة خلت وهو أين ثروة المغرب ومن المسؤول عن نهبها بعدما ظل نظام العلويين ينفي وجودها بمكر ويدعو لعقود طويلة الشعب لخلق الثروة قبل المطالبة بتوزيعها . لكن الذي حدث كما العادة عند حكام مضللين هو أن محمد السادس قفز عن تسمية الفاعلين المجرمين وتوجه نحو المفعول بهم الضحايا لإحصائهم قبل ان يأمر الدولة بتخصيص ميزانية من جيوب الضحايا أنفسهم لترميم بعضا من عاهات الفقر والحرمان والتهميش عملا بالمثل المغربي " من لحيتو لقم ليه". لكن ألا يعتبر فعل الانتظار هذا غباء وسذاجة كبيرين حين يكون الملك نفسه واحدا من الناهبين الكبار باعتراف رجالات من داخله من عيار ادريس البصري ؟
إن إعتراف الملك نفسه بوجود 29 ألف دوارا في حالة خصاص مهول من الخدمات الاساسية ، رغم التحفظ الشديد من دقة الرقم، بعد عشر سنوات كاملة على اطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والتي التهمت الملايير من اموال الشعب خارج اي محاسبة حكومية اوقضائية او تشريعية ، لايعني سوى الفشل الذريع لبرنامج ملكي بامتياز وحده بلاطه من يتحمل مسؤوليته كاملة. والا كيف ستفهم هاته الجملة الواردة في الخطاب :" ومن هذا المنطلق لابد من إجراء وقفة للتوصل إلى حلول جديدة، كفيلة بجعل هذه الفئة تلحق بالركب، وتندمج في الحياة الوطنية ".اليس هذا الكلام اقرار واضح بفشل الحلول القديمة ؟ وماهي الضمانات المتوفرة لكي لا تعاد نفس الاخطاء بعد عشر سنوات أخرى مادامت الجهات المقررة والمنفذة نفسها لم تتغيرولم يفعل في حقها مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة مع كل نكسة وإخفاق ؟
ماهي درجة صدقية قوله هذا " فكل ما تعيشونه يهمني : ما يصيبكم يمسني، وما يسركم يسعدني. وما يشغلكم أضعه دائما في مقدمة انشغالاتي ." وكل العالم شهد كيف ذهب محمد السادس رفقة عائلته اسبوعا قبل خطابه لجزيرة يونانية ليتفطح ب 6ملايين يورو اي مايعادل 5مليارات سنتيم لمدة 6ايام فقط ليعود مباشرة ليقول إنه يحس بمايحس به قرابة تسعة ملايين من رعاياه الذين يعيشون تحت عتبة الفقر باقل من دولار واحد في اليوم في ظروف وصفتها لغة الخطاب " بالصعبة "؟ وهل يحس بمعاناة المغاربة من منح لنفسه عطلة لمدة شهر يجول فيها العالم بسرب من الطائات المدنية والعسكرية المحملة بمتع الحياة بينما يغرق جزء من الجنوب المغربي بسبب فيضانات مهولة ولايجد الضحايا سيارة اسعاف واحدة لتحمل جثث الضحايا بكرامة لمثواهم الاخير؟
التعليم لخدمتي لالخدمة الوطن
بنفس النهج التصنطيحي قارب خطاب الملك المغربي معضلة التعليم وحاول "إحراج" الجميع من حكومة وعائلات وفاعلين مدنيين على اختيارات كانت كل خطاطاتها الاستراتجية ترسم من ردهات البلاط الملكي بقصر تواركة باستشارة مع المؤسسات المالية الدولية المقرضة . أليس الملك الحسن الثاني من يختار مايسمى بلجان إصلاح التعليم ويملي عليها مايجب فعله ، نتذكر جميعا كيف عاقب لجنة ملكية نهاية التسعينات وسخر من تقريرها لما اصرت على مجانية التعليم كشرط اساسي لتحقيق المساواة فيما بين ابناء الوطن الواحد ، وقام بتعيين لجنة أخرى بعدما سطر لها الخطوط العريضة لفهمه للإصلاح ؟
ألم يتبع وارثه محمد السادس نفس النهج حرفيا وأورثه ابوه خدمات المستشار بلفقيه مزيان والذي اشرف بانفرادية مولوية على وضع وتنفيذ برنامج العشرية الاولى 2000_2008المخصصة للتعليم الذي التهم ميزانية خيالية وحقق فشلا ذريعا ومدويا سنتين قبل نهاية العشرية ضاع معه مستقبل أجيال كاملة. وللتغطية على الفضيحة كلف الملك نفسه بعناد مرضي مستشاره نفسه بوضع برنامج استعجالي آخر إنتهى للفشل الذريع كسابقيه دون أن يحاسب أحد بل رقي المستشار عكس المتوقع في درجات البلاط الملكي ليعيد نفس المخططات العقابية للمدرسة المغربية حتى أوقف الموت إجرامه ووضع نهاية لمسار رجل دون أن يضع نهاية لمخططات لجانه .
الدين لي والايالة لي
لكن أكثر ماشد الانتباه من وجهة نظري في نص خطاب الملك لهذه السنة هو التناقض الفاضح بين الفلسفة التي يريدها المخزن أن تؤطر فهم المغاربة للتدين من جهة والفلسلفة التي يطالب بتاطيرها لأي إصلاح تعليمي ناجح من جهة أخرى.
ففي جوابه على سؤال لماذا يهرب المغاربة للتعليم الخصوصي رغم تكاليفه الباهضة قال الملك بالحرف بأن الجواب واضح :" لأنهم يبحثون عن تعليم جيد ومنفتح يقوم على الحس النقدي، وتعلم اللغات، ويوفر لأبنائهم فرص الشغل والانخراط في الحياة العملية ." بمايعنيه أن الملك يريد تعليما منفتحا على الثقافات الكونية ويعتمد على المناهج النقدية بمايعنيه ذلك من مساءلة كل الطابوهات الثقافية والدينية والسياسية وتفكيك المنظومات القيمية لفهمها وتعريض اليقينيات والمسلمات لمشرحة العقل وابتكارات العلم وغيرها .
لكن هذا المطلب الوجيه سينهار وستجمد كل المناهج النقدية حين قارب خطاب الملك مايسمى رسميا بالامن الديني للمغاربة . فقد دعا الملك المغاربة بصيغة الامر الى التشبث بالمذهب السني المالكي قائلا بالحرف :" فمن واجبك الوطني والديني الحفاظ على هويتك، والتمسك بالمذهب السني المالكي الذي ارتضاه المغاربة أبا عن جد." وكأن هذا المذهب بعينه والهوية المرافقة له قرآن منزل لايتأيهما الباطل ولايقبلان مناهج النقد مهما كانت الى يوم يبعثون . فكيف يتناغم الانفتاح والحس النقدي مع جملة من هذا النوع :" ولا تقبل دعوة أحد لاتباع أي مذهب أو منهج، قادم من الشرق أو الغرب، أو من الشمال أو الجنوب " . اليست هاته الجملة الملكية دعوة صريحة للإقصاء والإنغلاق والتشدد لمواجهة أصحاب قراءات مختلفة لموروثنا المشترك والمتنوع ؟ هل كان المذهب السني في صيغته المالكية أول القراءات الدينية التي استقرت بالمغرب ؟
واضح أن محرري خطاب الملك تائهون بين رغبتهم في الانفتاح المشروط والذي سينمي ثرواتهم بسرعة ويحسن مكانتهم أمام عالم يتطور بشكل مهول وبين الابقاء على قراءة دينية متزمتة شعارها " لايجوز الخروج على الحاكم حتى وإن كان ظالما " يكون دورها شرعنة الاهية لتأبيد نظام ملكي متآكل وتنويم الجماهير لتقبل بقدرها كأي مستهلك افيون . بين هاتيه الرغبتين تتحرك كل المبادرات والمشاريع والسياسات الملكية بالمغرب منذ قرون والى اليوم .
دعابة ملكية للختم :
هل فعلا جاد من حرر خطاب الملك حين استشهد بالقول إن محمد السادس يتقن اللغات الاجنبية والعربية رغم انه خريج المدرسة العمومية المغربية !!!
لأن صاحب هاته الفكرة عرض الملك لمسخرة حقيقية لاتليق برئيس دولة . الملك محمد السادس درس في الكوليج الملكي الذي يضاهي في برامجه كبريات المدارس الدولية وتخصص له ميزانية فرعونية لاعلاقة له بالمدرسة العمومية . والمدة التي قضاها في جامعة الرباط محدودة نظرا لمهامه كأمير وللدورات التدريبية التي كان يمضيها في اعرق الجامعات الغربية .
أما إتقان اللغات فتلك نكتة حامضة لأن الواقع يكذب ذلك . فالذي يفهم جيدا اللغة الرسمية الاولى بالبلد سيعاني الامرين مع الاعصاب وهو يسمع تعثرات الملك واخطاءه من كل نوع كلما تلا خطابا بالعربية كأي تلميذ سنة إعدادي . أما اللغة الانجليزية لغة الاقتصاد الاولى عالميا فيبدو ان معارفه فيها محدودة للغاية والدليل أنه في زيارة رسمية له لامريكا واثناء جلسة ثنائية جمعته مع جورج بوش طالب وزير خارجيته بنعيسى آنذاك بترجمة كلمته التي القاها بالفرنسية عوضا عن العربية للإنجليزية . أما اتقان اللغة الامازيغية التي اصبحت لغة رسمية بعد مهزلة مراجعة دستور 2011 فليس هناك مايدل على ان نجله الحسن سيتعلمها بعد عشرين سنة من الان فاحرى والده الملك .
بالمختصر المفيد هاد الخطابات الملكية ولات كاتحماض سنة بعد سنة ومابقا فيها مايفرح ومادتم لاتستطيعون الاجابة عن سؤال اين الثورة فلا تستحقون ذرة احترام فأحرى ركعة بيعة ...