بقلم حافظ الحفيضي
السجن المحلي بمراكش؛ كان له طابعه الخاص... المدير لا يمت للمسؤولية بصلة و لا يعنيه أمر (المؤسسة) في شيء؛ أما نائبه فكان جلادا بامتياز؛ ناهيك عن زمرة من الموظفين الذين لا دور لهم سوى الصفع والشتم؛ هذا كله إلى جانب الفوضى التي تعم بولمهارز بصفة عامة؛ حيث مخدر الشيرا (مابغاه بوبي)؛ تجاره عديدون ولهم علاقات خاصة بطاقم (المؤسسة)؛ يتاجرون أمام أعين الجميع وبأمر من المدير بعد إرشائه؛ ناهيك عن أشكال التفاوت بين النزلاء؛ أضف إلى ذلك أن بعض السجناء الذين لهم علاقات خاصة بطاقم المؤسسة يتوصلون عن طريق الطاكسي (وهو موظف يقوم بهذه المهمة) بالمشروبات الكحولية؛ والشريط الذي تم بته على موقع اليوتوب شاهد على ما يجري داخل بولمهارز.
في حي الأحداث؛ السرد وحده لا يكفي؛ المعاينة هي التي ترسم الصورة كاملة؛ قاصرون يقضون عقوبات حبسية بين مدد قصيرة وأخرى طويلة؛ لا لشيء اقترفوه؛ فقط لأن واقعهم الاجتماعي يفرض عليهم التواجد بهذا المكان؛ شموع تؤدي دورها التاريخي داخل أربعة جدران بمثابة ركن أساسي و ثابت بنيوي في مجتمع الطبقات هذا؛ يعانون مرارة الجوع والوسخ والاعتداء الجنسي؛ سواء من لدن السجناء الذين يفوقونهم عمرا؛ سواء من طرف بعض السجانين.
هؤلاء اليافعين؛ الذين يجدر بهم أن يتواجدوا بالمدارس و الخرجات الاستكشافية؛ يستكشفون الويلات مبكرا؛ يتعاطون المخدرات رغم يفاعة سنهم؛ يفترشون الأرض في الصيف والشتاء؛ ينامون بشكل غريب؛ حيث الاكتظاظ يجعلهم كالسردين؛ لا مكان للرفل؛ أينما تحرك الواحد منهم يصطدم بالآخر؛ يستغلون المرحاض للنوم بسبب ضيق الزنازن؛ أما من ناحية التعذيب النفسي و الجسدي الذي يلاقونه صباح مساء فالجواب عند المشرفين على هذه الأعمال؛ إذ سجن مراكش الذي يطلق عليه هو الآخر إصلاحية؛ مكان للفوضى والعبث؛ القوي يأكل الضعيف؛ الهروات والأسلحة البيضاء متواجدة بكثرة؛ لا أحد يتدخل للحد من تواجدها؛ (الموظفون) أنفسهم يساعدون على أن تعم الفوضى سجن مراكش؛ فهم على ود مع بارونات الحشيش ومع المجرمين كذلك؛ في هذا المعتقل العتيق؛ الحيتان الكبيرة تبتلع الصغيرة؛ (المسؤولون) في سبات عميق؛ لا يفضون النزاعات و لا يتدخلون حتى لمساعدة المرضى؛ عقاقير بالية أعدت ما قبل الحماية؛ وحدها تشفي من كل داء وكأنها الحبة السوداء؛ واللافت للنظر أن الجلد لا يتوقف ساعة واحدة؛ في كل لحظة تشاهد نزيلا مقيدا والدماء تنزف من وجهه؛ ليقاد بعد ذلك للعزلة الانفرادية؛ وفي بعض الأحيان تسمع الصراخ والأنين وكأنك لازلت في مخفر الشرطة.
سجن بولمهارز؛ المتواجد بحي كليز؛ أحد الأحياء الراقية بمراكش؛ سجن غريب الأطوار بكل المعاني؛ الزوار ينتظرون ساعات طوال من أجل قضاء عشر دقائق مع ذويهم داخل قاعة كراسيها تشبه كراسي المحطات الطرقية؛ أزيد من خمسين زائرا وسط فضاء يتسع لعشرة أشخاص؛ عندما تغادر القاعة؛ تصادف العديد من الشحاذين؛ هذا يريد سيجارة وذاك يطلب قليلا من النعناع؛ والآخر يطلب أكلا؛ وهذا أمر لا يقتصر على النزلاء وحدهم؛ حتى بعض السجانين يشاركون في عملية تحريك الأذيال هاته.
وفي بولمهارز كما في كل المؤسسات السجنية بالمملكة الشريفة تجد المكتوبات الحائطية من قبيل " النظافة من الإيمان" وبعض الآيات مثل " إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب" التي تصادفها عند مداخل السجون، ومن الآية جاءت تسمية السجون بالإصلاحيات في تمويه سافر لحقيقة ودور السجون في تكريس العبودية والاضطهاد وربطها بالإصلاح في حين أن معنى الآية بعيد كل البعد عن التسمية كما يثبت التفسير التالي لأبي جعفر:
القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال شعيب لقومه: يا قوم أرأيتم إن كنت على بيان وبرهان من ربي فيما أدعوكم إليه من عبادة الله، والبراءة من عبادة الأوثان والأصنام، وفيما أنهاكم عنه من إفساد المال.
والتحريف هنا في معنى الآية واضح تماما، إذ المقصود إصلاح نفوس العباد وحثهم على عبادة الخالق ونهيهم عن إفساد المال وليس تشييد مباني كبيرة وزج العباد فيها ومعاملتهم بطريقة لا إنسانية .
يتبع...