عاشت شوارع الضاحية الباريزية “لاكورنوف” على مدى ثلاثة أيام حركة غير عادية، كعادتها في نهاية الاسبوع الثاني من شهر شتنبر من كل سنة، حيث تستقبل مآت الآلاف من الزوار القادمين من مختلف أنحاء العالم، يحملون حقائب على ظهورهم و تقاسيم أمل و فرح تطبع وجوههم. وتغص الباحات و الأرصفة بالسيارات، و مآت من رجال الأمن السري والعلني موزعون على شوارع و أزقة المدينة.
إنه حفل الانسانية “لومانيتي” مفخرة الحزب الشيوعي والشعب الفرنسي، و الذي ترجع نشأته إلي 7 شتنبر من سنة 1930، عندما قرر مدير جريدة “لومانيتي” “مرسيل كاشان” جمع الدعم المالي للجريدة التي عرفت عجزا ماليا، و عرف الحفل تطورا على مر السنين جعله يتحول إلى ملتقى دولي للأحزاب اليسارية في العالم .
منذ صباح يوم الجمعة بدأ توافد الزوار يتوسع شيئا فشيئا، إلى ان امتلأت شوارع الحفل إلى آخرها، و تزايد الإقبال على الفضائين الفرنسي و الدولي, هذا الأخيرالذي يضم أروقة مآت التيارات و الأحزاب السياسية و النقابات والجمعيات القادمة من أوروبا و العالم، حيث يعرضون فيها كل منتوجاتهم الحضارية من أغذية و لباس وغيرها و يتم فيها بالأساس الترويج لثقافتهم و الدعاية لقضاياهم السياسية.
المطاعم بمختلف أجناسها تعرض اختصاصات الشعوب و تقاليدها في التغذية، و مداخل الأروقة تتقدمها طاولات تعرض فيها وثائق وكتب و نداءات و بيانات، و اللون الأحمر يطغى على واجهات الأروقة و يرفرف في سماء الحفل و أزياء الزوار تعبيرا عن الانتماء للخط الأحمر اليساري، صور جيفارا و لينين و زعماء التحرر و الاشتراكية و زعماء الفكر الثوري في مختلف القارات، و أزقة و شوارع الحفل تسمى باسم هؤلاء الزعماء تكريما و إجلالا لهم و ضمن هذه الشوارع شارع باسم” المهدي ببركة”.
كل ذلك يمر في أجواء خليط ايقاعات موسيقية متنوعة أممية، منها الاوروبية و منها القادمة من خارجها، يرقص على إيقاعها الألاف من الزوار في جو من التآخي تعبيرا عن ما تختزنه الشعوب من ثقافة و حضارة إنسانية يريدونها أن تسود العالم.
الشارع الرئيسي للفضاء الدولي يحتضن رواق حزب الطليعة، و الذي انخرط مناضلوه في التحضير لاستقبال الوفود السياسية و الحقوقية و الزوار من المهاجرين و من الفرنسيين و الأجانب و المسؤولين اليساريين. و على بعد أمتار يوجد رواق الحزب الاشتراكي الموحد وراق النهج الديمقراطي.
حوالي الثامنة مساء من يوم الجمعة، سيقتحم الرواق وفد من نوع خاص، وهو وفد حزب اليسار الفرنسي يتقدمه الزعيم “جون لوك ميلونشون” ” jean luc melenchon “الذي فاجئ المناضلين بابتسامته المعهودة و تحياته، لينطلق المناضلون في ترديد شعارات يحيى اليسار و “ميلونسشون” في جو يسوده دفئ خاص.
و حتى لا تفلت اللحظة من ذاكرة المناضلين، أخذت صور جماعية مع الوفد الزائر و انتهت بحديث قصير مع “ميلونشون” و رفاقه. و صرح “ميلنشون” برغبته القوية في استمرار العلاقة الجدية المناضلة التي تربط حزب اليسار بحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي بمثل ما قام به في عهد رئاسته للحزب، و التي ميزتها زيارته لحزب الطليعة بالمغرب، والتي التقى فيها بمناضلي الحزب و في مقدمتهم المناضل الفقيد أحمد بنجلون و المناضل عبد الرحمان بنعمرو، و كذلك بحضور وفد من حزب اليسار في المؤتمر الوطني الأخير سنة 2012 لحزب الطليعة.
و استمر الحفل بهذه المقدمة المحفزة على المزيد من الفعل قصد إنجاح الرواق سياسيا وفنيا، و تابع المناضلون تنشيط الرواق حيث اختتم اليوم بأمسية فنية إلى ساعة إغلاق الرواق المحددة من قبل إدارة الحفل.
في صباح اليوم الموالي قامت وفود من حزب الطليعة بزيارات لعدد من أروقة الاحزاب اليسارية العربية و الاوروبية و امريكا اللاتينية. و في المقابل استقبل الرواق عدد من مسؤولي القوي السياسية في العالم و الشخصيات الوطنية المناضلة في المغرب، صمنها عائلة المهدي بنبركة و رئيس المنظمة المغربية لحقوق الانسان ومنفيون سابقون و مسؤولين محليين و وطنيا عن النهج الديمقراطي و الحزب الاشتراكي الموحد و الجمعية المغربية لحقوق الانسان.
و ابتدءا من الساعة الواحدة و النصف من زوال يوم السبت انعقدت ثلاث ندوات: الأولى نظمها الرفاق في الحزب الاشتراكي الموحد شارك فيها عن الطليعة محمد مباركي عضو اللجنة المركزية لحزب الطليعة ثم الدكتور العلوي عن الاشتراكي الموحد ثم أحد مناضلي الشيوعي الفرنسي عنوانها : الوضع السياسي في المغرب على ضوء انتخابات 4 شتنبر. وقد تلاها نقاش شمل عدد من القضايا المتعلقة بوضع ما بعد الانتخابات بما فيها وضع اليسار.
الندوة الثانية و التي انعقدت برواق جزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي تحت عنوان ” وحدة اليسار ” شارك فيها كل من الاشتراكي الموحد و النهج الديمقراطي و حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي الذي مثله علي بوطوالة نائب الكاتب العام. و قد تلاها نقاش حول وحدة اليسار و الوضع السياسي الراهن و قضية الاختلاف ما بين مكونات اليسار والتضامن بينها و العمل في أفق جبهة وطنية موسعة و عدم الانخداع بشعارات النظام…
حوالي الخامسة بعد الزوال كان مناضلوا اليسار على موعد مع ندوة للنهج الديمقراطي. في مساء اليوم تمت تنظيم أمسية موسيقية شارك فيها مناضلوا اليسار و غنى الجميع أغاني الشيخ امام و مارسيل …في جو من الفرح و الرفاقية شاركت فيها بامتياز و بأداء رائع الرفيقة سعاد بوش ورفيقات من الاشتركي الموحد…
و رغم أن السماء أمطرت كثيرا منذ صباح يوم السبت فإن ذلك لم يمنع الزوار من الاحتفال، و لم يكن لذلك تأثير على الاقبال على أروقة الحفل.
على نفس إيقاع اليومين السابقين استمر تنشيط الرواق يوم الأحد إلى حدود المساء لينتهي الحفل مع تحديد موعد للسنة المقبلة .
ملاحظة قبل البدء: عندما كان الحفل جاريا، و المناضلون منهمكون في مهامهم من أجل إنجاح أروقتهم و طرح قضايا الشعب المغربي في متناول الشعوب الأخرى، كان بعض الصحافيين يتسكعون بين الأروقة و يلتقطون في الهوامش صورا و بأعينهم براقبون أداء مناضلي اليسار، لكي بنشروها في مواقعهم الرديئة والفقيرة. حتى أنه بعدما اطلعنا على ما كتبوه في مواقعهم و ما تم تصويره، كدنا القول أنهم مخبرون مأجورون ينتحلون صفة صحافيين. ليست مهمتهم تغطية الحفل بل مراقبة أروقة اليسار و مناضليه. و لكن هل يعلموا أن مناضلي اليسار أحرار؟
عن موقع الجسور