هشام أباسيدي
هناك حاليا نقاش يدور حول إعادة النظر في قضية الإرث المعمول بها في المغرب. وهو نقاش مشروع بما أنه يطلب إعادة النظر في قانون بعمر أربعة عشر قرنا.
لكن قبل أن أدلو بدلوي أنا كذلك، تجب الإشارة إلى أن الجهة التي أثارته لا تعنينا ولا تمثلنا بالنظر لنشأتها وتوجهها ومواقفها وارتباطاتها...كما أننا نعي أنه طرح مثل هذا النقاش في هذه الظرفية بالذات ما هو الا محاولة للتنفيس عن الواقع المزري الذي يتخبط فيه المغاربة ككل من قبيل، الإحتقان في مدينة طنجة، إضرابات الطلبة في كل من الجامعات والسجون، الوضعية المزرية للمستشفيات، الحالة المفلسة للتعليم، الفقر والتفقير الممنهج، التهريج السياسي والمهزلة الإنتخابية، التقارير الدولية التي تسلط الضوء عن قتامة الوضع الاجتماعي الاقتصادي لأجمل بلد في العالم...وبالتالي فإننا بذلك نعترف على أن هذا النقاش حاليا هو ثانوي في سلم الأولويات المطروحة أعلاه. لكن، وبالتجريد عن كل ذلك وسعيا منا لكي يكون تطور المجتمع بشكل شمولي وعلى جميع المستويات. أردنا أن نناقش الموضوع من جهة ومن جهة اخرى حتي لا يستبد هذا المجلس وحده بمشروعية طرحه، وكذلك حتى لا يستبد الفقهاء بمشروعية الرد من جهة أخرى.
فكل هؤلاء في فلك البلاط يسبحون!!
تحرير العقل من سلطة النص هو كذلك تحرير للمجتمع من سلطة المستبد الحاكم باسم النص. والحرية مبتغانا.
لقد تشكل النص "الموحى" كما هو معلوم للكل عبر مراحل تاريخية متعددة، وذلك في إطار تجاوب وتفاعل مرن مع متطلبات الواقع وإشكالاته. هذه الميزة هي التي جعلته يشكل بالفعل ثورة حقيقية في حينها، ثورة تجسدت في القطيعة مع ماكان سائدا آنذاك. وتجاوزه من خلال طرح أجوبة جديدة تعكس الواقع المتغير وتنسجم مع حركيته الدائمة. وما دمنا هنا سنعالج موضوع الإرث إذن فلا يجب أن تغيب عن أذهاننا هذه الحقيقة.
وللذكر مثل حظ الأنثيين، كان سبب نزول هذه الآية هو: " جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى الرسول الله فقالت يا رسول الله : هاتان ابنتا سعد بن الربيع قُتل أبوهما معك في أُحد شهيدا ، وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ولا تنكحان إلا ولهما مال . فقال : يقضي الله في ذلك فنزلت آية الميراث يوصيكم الله في أولادكم (الآية) ، فأرسل الرسول إلى عمهما فقال : أعط ابنتي سعد الثلثين ، وأمهما الثمن وما بقي فهو لك.
يتضح هنا ذاك الجدل الواضح بين الواقع والوحي، وكيف أن الأول هو الذي يفرض على الثاني النزول متضمنا للحلول. وليس العكس. فهو لا يفرض، مسبقا، على الواقع أن ينضبط لأحكام وتشريعات مفارقة عنه وبعيدة عن متطلباته. هذه الروح الثورية هي التي سيفقدها الدين بموت النبي، وتنصيب الفقهاء كحراس غلاظ شداد له. بحيث سيعملون كل ما بوسعهم على تجميد الواقع وجعله مُقَولبا لا يتحرك، من خلال ربطه بالوثاق الشديد، بأحكام ونصوص أصبحت لا تستجيب لتعقد الواقع المنفلت دائما بسبب تطوره. جاعلين بذلك من النص فوق الزمان، يشتمل بالقوة وبالفعل على كل الواقع والأحداث بغض النظر عن زمانها أو مكانها.
إذا كانت روح الدين في أصلها مرنة واستجابت لمتطلبات النساء التي كانت تحرم من الإرث قبل الإسلام لمجرد أنها امرأة. نتساءل لماذا لا تستمر هذه الروح في عالم تغيرت فيه وضعية المرأة بشكل كبير؟ إذ أصبحت في كثير من الأحيان هي من تعيل أسرا بكاملها. إمرأة متعلمة تلج المعامل كما قد تترأس الشركات، وتتحمل مسؤوليات سياسية وقضائية ودبلوماسية، وتدير معاهد للبحث العلمي...بولوجها هذه العوالم الجديدة قامت بتمزيق مفهوم القوامة القديم الذي حاول الفقيه ذو الفكر الذكوري أن يحيطها به. لقد فرضت نفسها داخل المجتمع كشريك يعامل معاملة الند للند، أي أنها عمليا ليست تحت وصاية الرجل بل هي مستقلة عنه بنفسها وبجسدها ومالها...
وبذلك يمكننا اعتبار أن هذا الحكم الصادر في الآية وبالرغم من صراحته في تحديد نصيب المرأة من الميراث، فإنه لم يعد حكما ثوريا كما كان حينئد، بل أصبح هو نفسه بمنطق التطور حكما قديما ومتجاوزا يعيق التقدم. وبالتالي خلق حكم جديد يتناسب والمقاس الجديد. لكي يصير هو الآخر كالكثير من الأحكام التي تسكن النص الديني، كقطع يد السارق أو فرض الجزية على غير المسلم وهو صاغر وجلد الزاني...التي رفع العمل بها لان سياقها لم يعد موجودا. سيبطل مفعول العمل بهذا الحكم وتلتحق بذلك الآية الحاملة له بركب الآيات السابقة التي يقتصر دورها فقط على التعبد في الصلاوات والإستئناس بها في التراتيل. التأويل الحرفي يجب أن يخلي المجال لفهم جديد مشبع بروح العصر ومتطلباته.
وإذا لم يعجبك هذا الكلام أبو ركاب نوض عرّي على دراعك وخدم على راسك وباركا ما تأكل حق أختك باسم الدين. واعلم أسي بوركاب أن أختك تربطها نفس علاقة البنوة بوالديك، وإذا ما بحثنا قليلا سنجدها كانت تحب أباك وأمك أكثر منك. بل هي من سيقف أو وقفت إلى جانبهما وتعيلهما وتنظفهما حينما كانا يحتضرا. بينما أنت أيها الذكر جالس في المقهى تحتسي كؤوس الشاي وفناجين القهوة، وكتبرقق فبنات الناس. تنتظر أن تطلع روحهما لكي تأخد ضعف حظ أختك.
الله يمسخك!