حسن الحافة
الذباب "يكجكج" حولي في المقهى. يحط على رجلي، أركله فيطير دون أن يبتعد. أنش عليه، أنفخ دخان سيجارتي عليه. يصر أن يزعجني.
النادل وضع القهوة السوداء على الطاولة، طار الذباب ليفسح المكان للكوب و لمنفضدة السجائر و كأس ماء. النادل مسح مخاط أنفه براحة يده قبل أن يضع كوب القهوة. يعرف أننا لم نعد نعيف، فلو كنا نتقزز من النثاتة، لكنا طردنا هؤلاء المسؤولين النثنين من الفيلاج، كانت ستكون رائحته أفضل في غيابهم.
الذباب تكاثر، كأنه أرسل ذبابة كي تغوي الآخرين بعفونتي، أو ربما مل من جراح ذلك البغل المدمى الحوافر الذي يشتغل به صاحبه كنقال. مضى البغل كئيبا وهو يجر عربته، وخلف ورائه ذباب كثير. أجلس القرفصاء في الكرسي. المقهى لازال خاويا. زبونان بالداخل. شاب يمسك هاتفه غير مبالي بما يدور في الخارج، وشيخ سبعيني متقاعد، دأب على شرب قهوته الصباحية كل يوم في هذا الوقت بالمقهى. يمشي بصعوبة، خطواته قصيرة و مرتعدة. يخيل إليك وأنت تراه أنه سيقع. لكنه ما وقع أبدا، على الأقل أمامنا.
تلاميذ يمضون لبيوتهم. تلميذات يسرن في غنج طفولي سيكبر. متسولة تخفي وجهها. ورجل كسيح يعيش بإحسان الناس، يقولون عنه في الفيلاج أنه مخبر و "بركاك"، لهذا جعله الله هكذا. يمشي على يديه.
الساعة العاشرة.
حركة و أناس و نسوة غير جميلات. شاب يرافق أخته، كانا يخطوان في صمت، ربما هو منشغل بمراقبة العيون التي ستتلصص على جسد أخته الملفوف في عباءة سوداء. كلب ينبح، سيكون الكلب غريب عن الفيلاج، ينبح كي يعلم الكلاب الأخرى أنه سيكون شريكهم في مضاجعة الكلبة الليلة.
قرب المستوصف الكئيب و الشبيه بضريح، وقفت بضع نسوة عند بابه يتجاذبن أطراف الحديث. النساء يعشقن الثرثرة كثيرا ويمرضن أكثر. هن من يعمرن كراسي بهو المستوصف منتظرة كل واحدة دورها. هذا إذا حضرت الطبيبة، أما إذا غابت، فلا أحد سيحاسبها هنا، سيعدن في الغد، وإن غابت. سيعدن في اليوم الموالي. لن يملن، مثل سيزيف، سيكررن المجيئ حتى تكشف عليهن وتدون لهن الدواء. الدواء لا يشفي، إنما شعورك بأنك إبتلعت الدواء هو ما يشفي. علاج الناس في دواخلهم. ما يفعله الطبيب، هو أنه يدفع بالمريض لأن يتصالح مع داخله.
دوار خفيف برأسي. أتجشأ فتفوح رائحة ماء الحياة. يطير الذباب فتعيده الرائحة من جديد.
الفيلاج يتجمل كعروس ترفض زيجتها لذلك الشخص. فمهما وضعوا لها من مساحيق، ومشطوا لها شعرها، وزينوها، فإنها لن تبدو جميلة. حزنها الداخلي سينعكس على المساحيق و يجعلها بشعة. إرتياح و طمأنينة الداخل هو ما يجعل ملامح الوجه جميلة. غرسوا نخلات على طول الشارع، النخلات حزينات. لقد إقتلاعوها من أرضها. من غابة و هواء نقي وهدوء، وأنبتوها هنا. وهي لازالت ممدة في الشاحنة، وقبل أن ينبتوها، حين لمحت وجوه الناس. أدركت، بما للنخل من جلالة، بأنهى ستشقى هنا.
يتبع. ....