سمير وعلي

منذ نعومة أظافري إلى اليوم , ونحن نحتفل مرة كل أربع سنوات باستقبال ضيوف من منطقة بعيدة عنا .. استقبال هؤلاء الضيوف ليس عاديا , فوق ما نتصور إذ ننصب الخيام وننادي على كل فرق الفروسية من كل المناطق المجاورة والبعيدة , وعلى الشعراء الامازيغ ،ايمليازن أو ايملكازن .. وتتكلف فرقة عبيدات الرمى أسابيع قبل الاستقبال بجمع المساهمات من نقود وعسل وقمح وزبده وسكر وافرشه وأواني .. وكان نصيب الصغار بل وكل أفراد الأسرة ملابس جديدة تليق بهذا اليوم أو الأيام الاستثنائية.. وكانت جل وصايا الكبار تصب في ضرورة احترام الضيوف إلى حد القداسة , باعتبارهم إخوة لنا , وان أي تصرف سئ يكون مصير صاحبه عقاب الهي .. حيث نسمع ويحكى أن من يمارس الجنس مع عشيقته في مكان استقبال الضيوف يصاب الفاعلان معا بأمراض لا علاج لها , ويحكى أن عاشقين التصقا و هما يمارسان الجنس حيث يقام الموسم ... وان كل من سولت له نفسه السرقة فالشئ المسروق يتحول إلى أفعى تطارده .. هي حكايات وأساطير تجعلنا نحس بنوع من قداسة الحدث وقداسة تلك الأيام الثلاث التي نحتفل بها بضيوفنا الكرام ...

في اليوم الموعود الذي ننتظره أسابيع وبعد أن تنصب كل أسرة خيمة تقليدية ( سوداء مصنوعة من الصوف الغنم و المعز ) وتجهيزها بأفضل ما في المنزل من أثاث وأواني.. أما بخصوص المناطق أو الأشخاص الذين لا تجمعهم بالضيوف علاقة الأخوة "بالرضاعة" فلا حرج عليهم ان ينصبوا خياما عادية ( قيطون ) ، يتم تجهيز الخيام بأجمل ما نملك كيف لا والضيف ليس ضيفا عاديا والمناسبة عظيمة إنها استقبال أناس تجمع بيننا روابط أكثر من رابطة الدم فلا تزاوج ولا خصام ولا اعتداء ولا إساءة لهم سواء في الحديث أو أي تصرف .. ويوم الاستقبال دائما ما يكون مساء اليوم الذي يصادف السوق الأسبوعي حيث نرى الضيوف بملابسهم التقليدية البيضاء قادمين بعضهم على الخيول والبعض الأخر ينزل من وسائل النقل .. وما أن يقتربوا من المكان حتى يخلعوا احذيتهم ،احتراما لنا وللمكان ويقومون بتقبيل التراب .. فيتم استقبالهم بالبارود والخيول والزغاريد وأهازيج احيدوس .. بعد ذلك يلتقي فرساننا بفرسانهم ويعيدون تمثيل أحداث معارك جمعتهم يوما .. بشكل سينمائي يجعلك مندهشا من روعة المشاهد .. فيظهر لك شخص يسقط من خيله هناك وأخر يحمل جريحا .. و زغاريد النساء تملأ المكان .. ثم يبدأ العناق والاستقبال والترحيب إشارة لعهد الصلح بين القبيلتين .. ويفتح لهم طريقا بشريا وتعلوا كلمات الترحيب والاستقبال على أنغام ( البندير ) إلى أن يصلوا إلى خيمة كبيرة خاصة بهم.. حيث تتوفر لهم كل الخدمات من ما لذ وطاب , وافرشه وأواني .. وفي تلك الخيمة لا تسمع غير الشعر ( امليازن ) والحكايات الشعبية الامازيغية .. وأمام الخيمة مباشرة فرق الفروسية الكثيرة تتناوب في تقديم الفرجة لهم و للحضور.. ودوائر احيدوس في كل مكان حيث يشارك في لعبها الصغير والكبير .. أعداد هائلة من الناس أتت من أماكن مختلفة للاستمتاع بتلك اللحظات من الفرجة .. فلا أعمال سرقة ولا تحرش .. ولا أي عمل يسئ لعظمة الحدث , وهكذا تستمر الاحتفالات لثلاث أيام .. مساء يوم الوداع تقام مسرحية في الهواء الطلق أبطالها ( عبيدات الرمى ) من كلا القبيلتين ( ايث ايكو التي انتمي لها وايث حمو بولمان ) والمسرحية بعنوان اغلياس ( النمر ) وتجسد صراع الإنسان الامازيغي مع الطبيعة والمتمثلة بالمسرحية في الوحش المفترس النمر حيث تتم مطاردة رجل يرتدي لباس النمر ( للإشارة تمت إضافة أنثى النمر في المسرحية ) حيث يتم قتل النمر بعد أن يقتل الكثير من الحيوانات والإنس .. ومسرحية أخرى تجسد قيم الحب والجمال في المجتمع الامازيغي ,حيث يقوم زوج بمساعدة زوجته في غسل الثياب طالقا العنان لكلمات الحب والعشق في جو من السعادة والرضى بحياتهما .. وفجر اليوم الأخير يغادر الضيوف دون استئذان حتى لا نراهم ونصر على بقائهم .. لكن ما أن يهموا بالخروج حتى يجدوا صفا على يمينهم وصفا على اليسار كما تم استقبالهم تردد كلمات الوداع بشكل فني وفق فن احيدوس .. (و يحدث أن يذرف البعض دموع الوداع و كأنه آخر لقاء).
الحكاية : ان قبلتين ( ايت ايكو و ايت حمو بولمان ) اتفقتا يوما على أن يتحالفا و تعاهدا على الهدنة فيما بينهما .. فتم تثبيت القرابة بفعل رمزي لكنه فعل مقدس لا يجب الالتفاف عليه وهي الرضاعة المشتركة حيث يحكى أنهم قاموا بإعداد وجبة الكسكس وسقي بحليب النساء في حفل الرضاعة , و تتحدث كتب التاريخ على انه في نفس وقت إعداد الكسكس تتبادل الامهات أطفالهن الرضع .. لكن أجدادنا هنا تحدثوا عن أعداد الكسكس بحليب النساء فقط فأصبحت القبيلتين تجمع بينهما علاقة الأخوة وصار واجبا تقديم المساعدة والعون لبعض.. و علاقة التزاوج محرما التزاما بميثاق ( تاضا ) فنقول لهم ايث ( تاضا ) وهم كذلك .. وفي هذا الصدد أشير إلى أن هناك فيلم وثائقي للمخرج المرحوم اوهنو محمد ابن المنطقة يتحدث الفيلم عن عاشقين خالفا تقاليد القبيلتين وارتكبا الخطيئة وكان مصيرهما الطرد من القبيلتين و لحقتهما لعنة تاضا.
هكذا كانت البداية ولازلنا الى اليوم الحالي نحتفل كل سنتين في قبيلة من القبلتين , وهذه السنة 2016 /2966 الاحتفالات ستقام في قبيلة ايت ايكو القريبة من مدينة الخميسات.
و تجدر الاشارة الى أن الاحتفالات تقام في فصل الصيف بعد جمع المحصول الزراعي, و في حالات الجفاف فالقبيلة الزائرة ترسل رسالة اعتذار حتى لا تثقل كاهل الأسر بمصاريف زائدة ...