قالت السيدة نبيلة منيب بتاريخ 6 غشت 2016، حسب ما نقلته بعض الجرائد، حول السيد إلياس العمري، الأمين العام أو بالأحرى مدير شركة الأصالة والمعاصرة والذي يسمى تجاوزا حزبا سياسيا. قالت عنه : "هل سيقبل المغاربة أن يأتي شخصٌ لا يتوفر حتى على شهادة البروفي، أي الرابعة إعدادي، ونسيده على حكومة المغرب" (أنظر الرابط).
لنكن واضحين من البداية، لسنا هنا في موقع الدفاع عن السيد الياس العمري ولا يهمنا ذلك قطعا بحكم أنه أحد ركائز النظام الملكي الحاكم وحزبه الإداري (شركته) ليس سوى نسخة جديدة لجبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية (فديك). ولا نحاول أن نقارن بين حزب سياسي مشروع (الحزب الذي تنتمي إليه السيدة نبيلة منيب) وحزب إداري مُرتزق خرج من رحم أحهزة الدولة ولا زال مرتبطا بها عضويا ويقوم بما تمليه مصلحة الحُكام الحقيقيين في ضبط التوازنات السياسية.
لكن خطاب السيدة نبيلة منيب يُظْهِرُ شيئا في غاية الأهمية، ليس خاصا بشخصها أو بحزبها فقط ولكن مشترك مع جزء مهم من النخبة السياسية المغربية، هذا المشترك هو النخبوية والتعالي والنظر الى الشعب من الأبراج الشاهقة ودعوته للصعود والالتحاق بهم.
للتذكير فالسيدة نبيلة منيب هي الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد ومنسقة فدرالية اليسار وهو تحالف من ثلاثة أحزاب: المؤتمر الوطني الاتحادي وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي والحزب الاشتراكي الموحد.. لماذا نذكر بكل هذه الاحزاب والتسميات؟ لأن الخطاب أعلاه صادر عن قائدة حزب سياسي يُعتبر سليل أحزاب تجعل من الحركة العمالية والطبقة العاملة والفكر الاشتراكي بوصلتها السياسية. للتفسير والتوضيح أكثر، فَفِكْرُ الحركة العمالية والفكر الاشتراكي عموما هو من دفع لأول مرة في التاريخ بفكرة أن الأحق بالسلطة السياسية والاقتصادية هم العمال والفلاحين بإعتبارهم المنتجين الحقيقيين والفعليين للثروة في المجتمع. وقد دفعت الحركة العمالية بهذه الأفكار يوم لم يكن هناك لا مدرسة عمومية ولا "بروفي'' ولا "دكتورة" ولا هم يحزنون. بمعنى اخر، النظرة النخبوية للمجتمع هي على النقيض من نضالات وأفكار وإرث الحركة العمالية.
هذا الكلام ليس زلة لسان. فقد سبق للسيدة نبيلة منيب أن أصدرت تصريحات مشابهة أو أكثر بؤسا مرات عدة. لنذكر ببعضها : مثلا في برنامج حواري بالفرنسية على القناة الثانية بتاريخ أكتوبر 2015 (أنظر الرابط ) قالت ما مضمونه "لدينا مجتمع فيه 50 بالمئة من الأميين و 95 بالمئة (95 %) من الأميين سياسيا". لا شك أن السيدة منيب، زعيمة حزب اشتراكي، تضع نفسها في الخمسة بالمئة المتبقية من قشدة المجتمع، النخبة والصفوة ! إستدركت السيدة منيب قولها هذا لاحقا وأعلنت في يناير 2016 إحصائية جديدة للأمية السياسية على قناة ميدي1 : "هناك تسعة وتسعين بالمئة (99 %) من الأمية السياسية بالمغرب" (أنظر الرابط). لا يهم الرقم كثيرا، لكن ما يهم هنا هو أنه يبين الموقع المتعالي والنظرة الدونية إتجاه المجتمع. هناك أمثلة أخرى كثيرة لكن سنكتفي بهذا القدر.
من جهة، كلام السيدة منيب يُظهرُ أيضا أي مفهوم للسياسة تدافع عنه إلى جانب عدد من الأحزاب. ويطرح بالواضح أي علاقة تُطورُ مثل هذه الأحزاب مع المجتمع وعن ماذا تدافع بالضبط، وعن أي مصالح تدافع، وعن أي طبقة تُعَبر. فحتى خطاب العمال والحركة العمالية التحرري يختفي تدريجيا من أدبياتها. و خطاب هذه الأحزاب لا يُعبرُ عن الطبقات المُفَقرة بل عن طبقة متوسطة مدينية مثقفة تبحث عن تمثيلية إلى جانب السلطة الملكية الحاكمة. كل ما يطلبه النخبويون من الجماهير هو أن تثق هذه الأخيرة فيهم وتصوت عليهم وإن لم تفعل فهي متخلفة وأمية سياسيا.
من جهة أخرى، يمكن أن ندفع بكلام السيدة نبيلة منيب المتعالي إلى مداه ونقول لما لا تطالبون بحكومة الفلاسفة أو تطالبون بحصر حق التصويت والترشيح فقط في من يتوفرون على مستوى معين يمكنهم من إتخاذ القرار الصائب لأن الشعب في غالبه لا يعرف الاختيار(حسب منطقكم). وإذا حصرتم الترشيح في شرط التوفر على الباكالوريا، فما الذي يمنعكم من حصر التصويت أيضا في الباكالوريا ؟ أليس هذا هو المنطق الذي دافع به المحافظون ضد تصويت النساء بحجة أنهن لا يعرفن إتخاد القرار الصائب وبالتالي لا يجب "منحهن" حق التصويت و أليس هو نفس المنطق المحافظ الذي دافع به النبلاء ضد حق الفلاحين والكادحين في التصويت بحجة أن هؤلاء الفلاحين أغلبهم جهلة وفقراء ولا يدفعون الضرائب ولا يمتلكون العقار.
بالمناسبة، لا يمكن إلا أن ندين ونرفض كل تلك التهجمات التي شُنت على السيدة منيب لا لشيء إلا لأنها إمرأة. بالنسبة لعدد من هؤلاء المهاجمين، أصحاب الفكر الذكوري، لا يجب أن تمارس إمرأة السياسة أصلا، بحجة غير بعيدة من حجة "معندوش البروفي". فهؤلاء يعتبرون المرأة أيضا بدون بروفي. وينظرون إليها بدونية ويعتبرونها غير مؤهلة لخوض غمار عمل خاص بالذكور.
في الأخير، نقول ربما يجب وبشكل ملح إعادة الاعتبار للفكر الجمهوري الذي رسخ فكرة أن الشعب هو صاحب السيادة كل السيادة ورسخ فكرة المساواة وهزم شر هزيمة فكرة الوراثة والنبلاء وأن نظام الحكم يختاره الشعب وليس نخبة من الفلاسفة أو الأمراء أو أصحاب رؤوس الأموال أو رجال علم أو دين. وكذلك يجب إعادة الإعتبار للفكر والحركة العمالية التي دفعت لأول مرة في التاريخ بفكرة أن السلطة للمنتجين الحقيقيين، العمال والفلاحين وأصحاب السواعد. هذه الحركة التي أنتجت كبار قادتها ومنظريها من المعامل والحقول ومن جبهات الصراع ضد الاستغلال وجشع أصحاب المال ٠