هكذا مر يوم 20/10/2013 في رحلة إلى موقع معركة بوكافر: منذ مدة يراودني حلم استكشاف خبايا صاغرو، مرت الأعوام، كل عام بعذره وظروفه، غالبا ما ألتقي بالكثير وحلما أصارحه عن أصلي ومنشئي، يرافقه بسؤال أين تقع من جبل بوكافر؟؟؟ هل قمت بزيارته؟؟؟ أتردد في الإجابة لكن في الأخير اصارحه، بيني وبين موقع المعركة كيلومترات...وهذا ليس بمبرر حسب الكثير، ذلك ما يحرك في داخلي أكثير من إحساس وسؤال، كيف لمعلمة من تاريخ المغرب المعاصر أن تقع على أرض الأجداد دون أن أكلف نفسي عناء استكشافها وزيارتها؟؟ أعلم أن زيارتي لا تساوي شيئا لكنها وفاءا لمن قدم روحه في سبل أن نعيش بكرامة، ولحظة من خلالها سأقف إجلال وإكبار لأرواح شهداء الملحمة البطولية للاجداد، في هذا السياق قررت يومه 20 من اكتوبر سنة 2013، القيام برحلة كلها كمغامرة على متن دراجة نارية نحو بوكافر. 1- الفكرة والتنفيذ: رحلة نحو بوكافر، جاءت بصدفة، فبعد استراحة الإنتقال من منزل إلى أخر، تزامنا مع أيام العيد الذي يفرض ذلك، قررت برفقة ابن العم القيام بزيارة إلى موقع معركة بوكافر، على اساس أن لانطلاقة ستكون يوم قبل التاريخ الذي قمت برحلة، لكن سفره المفاجئ حلا دون ذلك، بعد ذلك طرحت الفكرة على أحد الأصدقاء وفق في البداية، لكن في صباح ، أصب بنزلة باردة، الزمته الفراش...بعد ذلك وضعت أمام خيارين إما أن أنفذ ما خططت له او اتراجع، في الأخير قررت تنفيذ الفكرة، دون ان انبه لنصائح العائلة التي حولت تني عن الفكرة، تحت مبررات عدة، خطورة المنطقة، ظروف التقنية ل"متور" وخطورة توقفه أو اصابته بعطل، الظروف العامة للمنطقة بكونها قليلة التعمير مما قد يعرض حياتي للخطر... لم يثنني ذلك عن رغبتي الملحة لزيارة بوكافر، فكانت الانطلاقة على ساعة التاسعة صباحا من ذات اليوم. 1- الطريق إلى بوكافر كحال أية رحلة لابد لك أن تتحمل قسوة الطريق، بمتاعبه، ومفاجأته، هذا حال طريق من دواري صوب بوكافر، فالعاشر الكيلومترات التي تفصلوني عن إكنيون المركز، مرت بدون متاعب، نظرا لكونها طريق معبدة، لكن باتجاه شرقا نحو بوكافر تبدأ المعاناة مع هشاشة الطريق، الذي اتلفته أكثر من مرة، منذ خروجي من اكنيون سلكت طريق المؤدية إلى "أوتوعي" و "اغرم-ن-المشان" لصدفة توقفت لأن أحدهم طلب مني إصله إلى دور "بوسلكان"، سألته بكم يبعد عن بوكافر؟؟، ضحكة خفيفة منه، ادركت من خلالها غبائي سألني هل انت صاغروي بصيغة تهكمية، بعد ذلك نصحاني بالعودة من نفس الطريق على أن أسلك مسار أخر يوجد بالقرب من مقبرة إكنيون، عدت أدرجي من نفس الطريق والوقت يداهمني، أقطع الكيلومترات تلو أخر كلها معاناة إلى درجة أني أجد صعوبة في تميز بينها وبين الخلاء، التقيت صديق لي في الطريق قدم لي مجموعة من النصائح، وعاتبني على فكرتي وعدم مرافقة أحد، تبعت الطريق كلما تقدمت فيه أجد نفسي وسط صحراء من الجبال لا يكسر صمتها سوى صوت دراجتي النارية وهي تتحمل صدمات الطريق. 2- ماذا لحظت؟ وسجلت؟ ومع من التقيت؟ عالم كله متغيرات ومتناقضات: سجلت عن نساء يكابدنا من أجل الحياة، وحيدات وسط جبال موحشة يكسرنا صمتها بأهاجيج رنانة تسيل فضول اذني، لا أعلم ما يرددنه، وما لي اليقين منه انها معاناة التي لا تنتهي، استطعت ان استمع إلى إحداهن حيث توقفت بمحادة جبل للاستراحة دون أن ألحظ وجودها وهي تسجل كل تحركاتي، وتردد بلحن ينم عن صدق مشاعرها تعبر فيها عن متمنياتها لي بسفر سعيد، متسائلاتا عن سبب قدومي إلى هذه المكان، فهيئتي حسبها ليست لمثل هذه المناطق مكانها وسط مدن "ازغار"، وهذا المكان لقليل الحظ والتعساء والمغضوب عليهم أمثالها حسب قولها. التقيت بشيخ في العقد الثامن من عمره، تحدث معه، عرض على دخول إلى منزله...كان من السواعد التي شيدت سد "تارست" حيث التقى بجدي، سألني عن عائلتي وأحوالها، نصائحه وصوته مز رننها في أذني، اهويت احاديثه لكن لظروف الخاصة لم تسمح لي بالمكوث معه لوقت أطول، بعد أن تركت "المتور" بمنزله، ارشدني إلى الطريق السهلة للوصل حيث المعركة التاريخية وقعت. بذلك دشنت مرحلة جديدة من الرحلة بدأت المشي على الأقدام وسط جبال لا حركة فيها سوى صوت الرياح، هكذا كنت أعتقد، قطعت الأميال، في غفلة مني فتتان في مقتبل العمر... الصغرى لا يتجاوز عمرها العشر سنوات وهم يدفعون بقوة دبتهم المحملة بالحلفاء لتسرع بعد أن اكتشفتا وجودي وأنا اتقدم صوبهن، بعد أن بدوت لهن غريبا هكذا كنت عيني تلاحظ فيهن الخوف الممجوج بالفضول في معرفة هذا الغريب، تحدث معهن وقدمت لهن نفسي، دار حوار طويل بيننا تسائلوني مستهزئتا، عن أية معنى لزيارة هذه الأماكن الموحشة؟؟ براءة نظارات الصغرى صوبي مازالت تطردوني، مدت يدها صوب محفظتي فناولتها إيها، فتحتها رغم أنه سلوك غير محبوب لكن لا مشكلة ربما انها سلوكات البراءة، أخذت ما اخذت دون ان يحرك في اية ردت فعل. تبعت سيري... الهدف الوصل إلى قمة يقترب، بعد ساعة ونصف من السير. في الطريق العودة صادفت ثلاث نساء بالقرب من منخفض المقابل لجبل أو-ن-اوسير، حييتهم لا رد منهما، إحداهن ملثمة أم الباقية بلبس محلي، مسرعات في مشيتهم حديث لا يتوقف بينهم، تبعثهم بنظارة خفية، تبادرت إلى ذهني قصص التي كانت تروى لنا في الصغر عن النساء وأدورهن التي تكون في الغالب شريرة أو جنيات، فالمكان لا حركة فيه كل شئ محتمل !!!!!! سجلت عن التناقضات الصارخة والغير القابلة لتفسير، منطقة بلا أساسية الحياة-كهرباء، ماء، طروق، مدارس- لكن شبكة الاتصالات"الريزو" متواجدة بشكل ملفت للانتباه، أثر ذلك أكثير من سؤال ما الهدف من كل هذا؟؟؟ ما الهدف الخفي من وراء نشر اعمدة شبكات الاتصالات بهذا الشكل؟ هل هي سياسة جديدة لدولة في ضبط مجالها وبذلك تعطي لبعد الامني الدرجة الاولى، وتهمل ما سيضمن للمواطن البسيط كراماته وعشيه في ظروف أحسن. هكذا كانت رحلتي إلى بوكافر، وهكذا مر عليا يوم كامل...خوف، توتر، خزن وقلق كلها مشاعر راودتني في مسار الرحلة التي اصنفها كأحسن ما قمت به إلى الان، مشكور من دعمنى في الفكرة وهو بدون شك ابي، كل التقدير لك، اتصالاتك وارشادتك سهلت عليا الأمر...ربي يخليك تنميرت.