راني عيادي
الصورة تظهر رئيس فرنسا الراحل فرونسوا ميتيران و الشونسولييه الألماني هيلموت كوهل. الصورة معبرة لأنها أسست لتحالف بين الدولتين لتصل بعد عقود قليلة إلى تحالف إقليمي في إطار الإتحاد الأوروپي يظم لحد الساعة 27 دولة. هتين الدولتين شهدتا صراعات دموية عبر التاريخ و آخرها الحرب العالمية الثانية و التي خلفت ضحايا بالملايين و جروح نظريا لا تندمل. لكن بتوفر الإرادة السياسية و القراءة السليمة للعلاقات الدولية خاصة مع الجيران، استطاعت شعوب و أنظمة الإتحاد الأروبي من تأسيس حلم الوحدة وقاية من كل نزاع مسلح و تأسيسا لمشروع تنموي وحدوي.
الصورة تظهر رئيس فرنسا الراحل فرونسوا ميتيران و الشونسولييه الألماني هيلموت كوهل. الصورة معبرة لأنها أسست لتحالف بين الدولتين لتصل بعد عقود قليلة إلى تحالف إقليمي في إطار الإتحاد الأوروپي يظم لحد الساعة 27 دولة. هتين الدولتين شهدتا صراعات دموية عبر التاريخ و آخرها الحرب العالمية الثانية و التي خلفت ضحايا بالملايين و جروح نظريا لا تندمل. لكن بتوفر الإرادة السياسية و القراءة السليمة للعلاقات الدولية خاصة مع الجيران، استطاعت شعوب و أنظمة الإتحاد الأروبي من تأسيس حلم الوحدة وقاية من كل نزاع مسلح و تأسيسا لمشروع تنموي وحدوي.
الإتحاد الأوروپي بني على أنقاض ضحايا الحروب التي خاضتها فرنسا ضد النازية. من يسافر في فرنسا القروية، فرنسا الموغلة في البداوة، فرنسا البعيدة عن المدن الكبرى، فرنسا التاريخ الجريح يعي ـاهمية هذه الوحدة. الجروح عميقة بين الدولتين و مع ذلك وضعت فرنسا يدها مع ألمانيا من أجل بناء السلام المستدام في المنطقة و بناء تحالف إقتصادي يضمن التنقل و الإستقرار و فتح الحدود بين كل دول الإتحاد.


فأين نحن المغاربيون من هذه العزيمة الصلبة؟ تهتز قلوب الشعبين الجزائري و المغربي كل ما سمعوا بإشاعة فتح الحدود بين البلدين الشقيقين. لكن الشوڤينية التي تطبع سياسات الأنظمة ،و مؤيدي الإجرام في حق الشعوب من عياشة في بلد المغرب و الجينيرالات في الجزائر، تحول دون تحقيق هذا الحلم الإقليمي.الدفاع على الثنائي الجزائر و المغرب كعمود فقري لوحدة تنموية و مواطناتية لتحالف مغاربي كما هو متعارف عليه جغرافيا.
الدفاع على الثنائي الجزائر و المغرب كعمود فقري لوحدة تنموية و مواطناتية لتحالف مغاربي كما هو متعارف عليه جغرافيا.
الوحدوية شعار قديم كان مبنيا على غش الشعوب. نذكر "البرلمان المغاربي" و الإجتماعات العقيمة بين رؤساء و ملوك المنطقة المغاربية. "الوحدوية" شعار الشوڤينية القومجية ( الوحدة العربية) و شعار الإسلامويين( الوحدة الإسلامية) و شعار أنظمة المنطقة المغاربية لإمتصاص غضب الشعوب التواقة للتكامل الحضاري بين شعوب منطقة لا تفرق بينها إلإ الحدود الإمبريالية و المسار التاريخي و التحولات الجيوسياسية الكبرى أي التناوب السياسي على المنطقة. حينما أقول التناوب السياسي أقصد تعاقب العائلات الحاكمة ضمن عقلية استعمارية، هكذا و وجب وصفها. المنطقة المغاربية منذ دخول المسلمين و هي تعيش تقلبات في مورفولوجية الحكم. إلى حدود الإستعمار العثماني للمنطقة عدا المغرب و بعدها الإستعمار الفرنسي و الإيطالي و الإسباني للمنطقة منذ 1830.


المشكلة الكبرى في هذا الشعار هو أنه كان مبنيا على معطيات لغوية ( القومية العربية) أو دينية ( الوحدة الإسلامية) و يا ما تطاحنوا و سال الدم مهدورا عبثا بين من يقول بالوحدة الإسلامية و الوحدة العربية. الشعوب ببساطتها تعتبر أن المنطقة منطقيا لابد لها من وحدة لأن لا شيء يفرق بينها و لا داعي سياسيا لوجود حدود رسمت بقلم إمبريالية. الحجج الدامغة ضد التشرذم لا تعد و لا تحصي لكن بالنسبة للشوڤينيين الوطنيين من قبيل حزب الإستقلال في المغرب و المخزن عامة و جبهة التحرير في الجزائر لا يتوفرون على أبسط حجة للإستمرارية في زرع العداوة بين الشعوب لتمكينهم من ربح الوقت، وقت ثمين، للبقاء في السلطة. هذا هو السبب الرئيسي الذي يجعل من ملوك المنطقة، و أنا أزن الكلمات المستعملة في هذا المقال، أقول ملوك المنطقة من قدافي و جبهة التحرير و ملوك المغرب و ملك تونس السابو بنعلي و بورقيبة و ولد الطايع إلخ...


الوحدة في هذه المنطقة الجيوسياسية استراتيجية تنموية ليس لها مثيل في العالم. تكامل طاقي و شعبي و إجتماعي و سياسي و جغرافي. الدفاع عن هذه الإستراتيجية اقصر طريق للوصول لتنمية مستدامة في المنطقة." لست بالخب و لا الخب يخدعني" كما جاء في الأثر. أعلم علم اليقين بأن هذه الإستراتيجية جد معقدة في ظل أنظمة غير ديموقراطية. أعلم علم اليقين بأن هذه الوحدة لن تكون سليمة و صحية إلا إذا بنيت بين شعوب حرة و أنظمة ديموقراطية. دمقرطة المنطقة شرط أساسي لبناء تحالف إقليمي أتخيله موسعا في المدى البعيد ليشمل كل شمال إفريقيا مع انفتاح سياسي و اقتصادي على الجنوب لتوسيع دائرة الأصدقاء و التضييق على جبهة الأعداء و هم كثرة و على رأسهم العدو اللدود لشعوبنا: النظام المالي الدولي و الشركات المتعددة الجنسيات. اي كل مخلفات و مرتكزات العولمة الرأسمالية.


التناحر على الصحراء بين الجزائر و المغرب، بعيدا عن القراءة التأريخية، هو ذر للرماد في العيون و إفلات من سؤال الشعوب: أين وصل مشروع الوحدة المغاربية؟ صرفت أموال طائلة لتأسيس هياكل فارغة من برلمانات و تحالفات إقتصادية كله مضيعة لأموال الشعوب خدمة لأجندا الأنظمة اللاشعبية اللاديموقراطيه الموغلة في الإستبداد و الرافضة لكل جديد يرجع للشعوب كرامتها. كرامة داستها مدافع الإستعمار و مخافر شرطة المخابرات السياسية في هته المنطقة المجروحة.


لا أقول أنه يجمعنا دين واحد لأننا إيديولوجيا و بدون عقلية النعامة، لا ندس رؤوسنا في الرمل و تبدو للعيان مؤخراتنا. الدين وحده لا يجمعنا، لأن فينا و منا من ليس لهم علاقة بالدين. والدولة العلمانية التي نطمح إليها تسحب البساط من تحت أقدام أمراء المؤمنين و أئمتهم الموغلين في الشوڤينية . دول المنطقة و شعوبها متعددوا الهويات الدينية و هذا أمر يجب استحضاره بدل المرور عليه مر الكرام لحجب الشمس بالغربال. إذن الحجة الأولى التي كان يعتمد عليها الوحدويون القوميون الدينيون حجة واهية و إن كانت حاضرة كآصرة قرابة بين شعوب المنطقة لكنها أبدا لن تكون حجة سياسية في عالم القرن الواحد و العشرين. أما حجة اللغة المشتركة فهذا أيضا من فعل القوميين العرب. منطقة شمال إفريقيا، أو ما يسمى المنطقة المغاربية، منطقة متعددة الثقافات و اللغات و لا تجمعنا لغة واحدة كما يحلو للقوميين العرب التبجح بذلك.


تبقى الحجج الجيوسياسية هي الأمثل لبناء هذه الوحدة التنموية. لا نقول بزوال الدول. حتى في أروپا لم تزل الأمم بل ما تزال تبحث عن ذاتها الوحدوية: الوحدة العسكرية و الديبلوماسية فيها نقاش جد معقد بين الأطروحات الشوڤينية التي تؤمن ببناء فيديرالية الأمم و الباقي ممن يؤمن بوحدة إنصهارية تنصهر الأمم و يكون الأمر السياسي عامة بيد حكومة أوروپية و رئيس أوروپي. في علاقتنا بالإتحاد المغاربي، سيكون من المستحيل على المدى المتوسط بناء إتحاد إنصهاري. كل ما نستطيع الدفاع عنه هو " الوحدة التنموية" تسمح بتنقل و استقرار السلع و الأشخاص و هذا يمر أساسا بفتح الحدود بل و إلغائها.


العمود الفقري لهذه الوحدة التنموية و المواطناتية المغاربية هو الثنائي المغرب/الجزائر نظرا للإستقرار السياسي النسبي الذي تنعم به هتين الدولتين العدوتين في شقهما النظامي و الشقيقتين في شقهما الشعبي. عداوة الأنظمة و أخوة الشعوب على وزن، رأسمالية الدولة و اشتراكية الشعوب التي تميز سياسات الأنظمة القائمة. و تبقى تونس و ليبيا وموريطانيا مرشحة للإلتحاق بالوحدة التنموية بعد استقرارها السياسي على المدى المتوسط. الصراع بين الجزائر و المغرب هو صراع الأنظمة و العياشة من الطرفين الشوڤينيين. لن أذكر كل الحجج التي تؤكد هذه الحقيقة السياسية بل فقط أشير إلى أن سياسة "بؤر التوتر" ليست بالجديدة. هي نتاج الحرب الباردة بين القطب الشرقي و الغربي. لاحظوا أن بين كل دول الجوار في المنطقة السابقة الإستعمار "تنعم" بهذه التوترات. أقول تنعم لأن من ينعم بهذه التوترات الإقليمية هم الأنظمة الحاكمة و التي تود إطالة بسط نفوذها ضدا على رغبة الشعوب . كذلك القوى العضمى التي تتحكم في خيوط العولمة المتوحشة، عولمة نظام إقتصادي مبني على المضاربات و الإستثمارات الإفتراضية و المالية و حسب.


لا أستطيع ختم هذا المقيل دون الإشارة لإمكانيتين. الأولى هي ما حاولت التأسيس له نظريا من خلال الدفاع على الثنائي الجزائر و المغرب كعمود فقري لوحدة تنموية و مواطناتية لتحالف مغاربي كما هو متعارف عليه جغرافيا. قوة إقليمية لها استراتيجيتين توسعيتين. إما شمالا نحو أوروپا بعد فتح معبر بين أروپا و المنطقة المغاربية كما فعل الأتراك ببناء النفق التحت ــ مائي لربط آسيا بأوروپا، و هذا خيار لا أدافع عنه. إما التوسع جنوبا نحو دول إفريقيا جنوب الصحراء و هذا ما أدافع عنه قلبا و قالبا لأنها المنطقة الوحيدة في العالم، بعد لبرازيل و الهند، التي تتوفر على إمكانيات هائلة في التطور من موقع إقتصادي و إنساني. منطقة لم تفض بكارتها بشكل كبير و لها قابلية للتنمية الإقليمية و هي في نظري مستقبل العالم على المدى المتوسط شرط ألا تتحكم الصين في كل سوقها. إلإمكانية الثانية و هي العمل على تأسيس وحدة متوسطية شمال ــ جنوب المتوسط و هذه أيضا إمكانية غير ممكنة الوجود لأن شمال المتوسط محسوب على الإتحاد الأوروپي الذي يتوسع شرقا و لا يتوسع جنوبا و ما رفض تركيا كعضو في الإتحاد الأروپي إلا دليل قاطع على ما أقول. ثم إن "إسرائيل" لا يمكن القبول بها في هكذا تحالفا و هي "دولة" متوسطيه". كل ما يمكن بناؤه مع الشمال الأوروپي هو اتفاقيات سلام دائم و تعاون اقتصادي و تنموي لأن مصير أروپا مرتبط اجتماعيا و اقتصاديا بمصير المنطقة المغاربية، البوابة نحو أروپا بكل ما تطرح من مشاكل عويصة للإتحاد الأوروپي من هجرة و كذا الإتجار في الناس و المخدرات.