تعرضت هذا الصباح إلى اعتداء أمام منزلي، كنت أحمل حقيبة صغيرة بها حاسوبين ومذكرة وبعض الأوراق، لم يُسرق من الحقيبة أي شيء، سرقت مني برعمة أمل كنت أربيها بمشقة في أن هذا البلد يسير نحو رحابة مفرحة تسع شغبي، وتسع ما لا أتفق معه من أفكار...
انهال المرسلان بالسيوف والهراوات على وجهي وجسدي وهما يرددان كلاما غير مفهوم عن نوع العداوة التي تجمعني أو تفرقني بهما، وأنا تحت سيل الضرب ووسط دمي الرخيص الذي ساح على جنبات الطريق، مر شريط حياتي قصيرا ومختزلا، وخمنت لحظتها أنه ما من شيء يستحق هذه الحياة وهذا الخوف المرضي من المجهول ومن العنف يصاحبني...
في حالات مثل هذه، لا يمكن الامتناع عن التفكير في المسؤول عن حمايتنا كأفراد وكجماعات... أن تشخصه وتصب جام الغضب اتجاهه وعليه، أن تفكر في البصق على وجهه وربما أن تذيقه من الألم الذي قطع أجزاء من جسدك، لكن والحالة هذه، فكرت ربما بشكل آخر، فكرت في أن أعفي هؤلاء من مسؤلياتهم، أن أخبرهم أنه لا ذنب لهم فيما وقع لي، لأنه لا ذنب لمسؤول في بلد تعمه السيبة والفوضى، وعليهم أن لا ينزعجوا بما أصابني وبما قد يصيب الآخرين.... أعني بهؤلاء كل الذين يُعَرفون في المراجع المؤسساتية بأنهم حماتنا، أي الدولة وعلى رأسها الملك، والحكومة وعلى رأسها بنكيران، والداخلية وعلى رأسها حصاد، والشرطة وعلى رأسها الرميل إلى آخر دائرة ومخفرفي الحارة ....
مقابل ذلك، ولأنني لم أتبين ما وجه الخلاف والاختلاف الذي دفع هؤلاء إلى قصدي، لا بأس أن أذكرهم بما أفكر فيه:
أفكر في بلد تسوده الحرية وينعم سكانه بالكرامة وبالعزة، على رأس دولته ملك بعيد عن التجارة وبعيد عن السياسة بالقدر الذي تكون فيه الحكومة قادرة على تحمل مسؤوليتها، ينتخب أعضاءها عبر انتخابات حرة ونزيهة تجري وسط ناخبين متعلمين غير أميين، يعيشون في رفاهية اقتصادية وينعمون بمناخ سياسي ديمقراطي تسوده حرية التعبير وتزدهر فيه كل أشكال الفنون والآداب والعلوم... كما أفكر طبعا في العيش في مجتمع علماني، لكل واحد الحق في عبادة ما يشاء متى يشاء أو في أن لا يعبد بالمرة، مع احترام كل الأديان واحترام معتنقيها والذين ينكرونها...
أفكر أيضا في مجتمع لا يسوده الريع ولا تتحكم فيه اللوبيات، ولا يُطحن فيه الإنسان.... هذا كل ما أفكر فيه، إن كان في ما وقع لي صباح هذا اليوم علاقة بما أفكر فيه وهي القناعة التي أصبحت مؤكدة لحظة بعد لحظة، فليعلم أصحاب السيف المسلول الذي أرسل لي أنني لا أعرف التفكير في أشياء أخرى غير هذه....
ملحوظة لا بد منها: كانت الواقعة بركان حب تفجر من حولي، بأرواح أصدقاء وزملاء وقراء أذهلني عددهم، وحبهم وتعاطفهم... في هذا الجانب، لا بد لي أن أكون ممتنا لسكين الغدر الجبانة هذه....