محمد امشيع
وجد نفسه وسط كل شيء ... يتأمل ، يلاحظ ، يناقش ، يبادر ، يحتج ... يقف حائرا وسط كل شيء ... كل شيء ليس على ما يرام ... ما العمل ؟ ... كل شيء في حاجة الى تغيير ام الى اصلاح ام الى المحافظة عليه ؟ ... يتساءل عن الحال الذي هو فيه ... تتزاحم الاجوبة في ذهنه فيقرر الانخراط ... قرر حلحلة كل شيء بالشراكة والتشارك والمشاركة ... يشترك ، يشارك ، يدعو الى المشاركة والتشارك والاشتراك والاشتراكية ... يصمد ، يعاند ، يضحي ، يتنازل ، يصعد ... فجأة تحطم كل شيء و تحول أممه الى ركام ... لقد تبدل كل شيء بفعل فاعل ... وقف حائرا، تائها ، تالفا لكل شيء ... يحاول اعادة البناء \ الترتيب فيصاب في ذهنه بالبركان ... يقرر هجرة كل شيء ، يخرج \ يدخل ... تزدحم في ذهنه الآراء \ الأفكار ... تتشتت في مخيلته الصور والتصورات ... يفقد بوصلة مخياله ... يقرر العودة الى الميدان حتى لا يدان ... يجلد ذاته ، يناور ، يصارع ، يحمل همومه واحزانه وافراحه ويطوف الملتقيات والتجمعات والندوات والمؤتمرات ... تختلط عليه الوقائع \ الاحداث \ المواقف \ الرؤى ... يتيه وسط الشعارات \ الخطب الحماسية \ التضليل \ الديماغوجية \ المزايدات \ المزايدات المضادة ... يحاول الابتعاد من جديد عن كل شيء لكن الضمير لم يسعفه . فتساءل عن الضمير فاكتشف شيئا غريبا :
الضمير المستتير ... ماكر
الضمير المتصل ... حائر
الضمير المنفصل ... ثائر
يبحث عن ذاته ويقتنع انه مبني للمجهول ... يحاول الابتعاد عن كل شيء فيكتشف ان ما يحركه هو كل شيء ... يتساءل عن المعنى وعن العمل ... يلتفت يمينا ، يلتفت يسارا فيدرك انه مفرد بصيغة الجمع ... الآخرون اما مفعول بهم او مفعول لأجلهم والباقي مفعولين بالمطلق ... يقرر البحث عن اخوانه وأخواته ... يتذكر ان الاخوان قد خانوا إخوانهم وتركوهم في الساحة بدون أخلاق ، سحبوا منهم المقدس وأغرقوهم في مستنقع المدنس ، والاخوات أصبحن أدوات للنصب والاحتيال وكل من دخلن عليه يصبح منصوبا بقوة الحركات ... تجلى له ان كل شيء يبحث عن الهمزة ، سواء كانت ساكنة او قاطعة المهم ان تكون همزة وصل ... قرر ان يبتعد عن الاخوان ويبحث عن من يرافقه في الدرب ويتخندق معه في كل شيء ... تدخل في كل المداخلات واحترم كل نقطة نظام ... عايش الفعل ورد الفعل ، تحلى بسلوكيات النقد والنقد الذاتي ، انضبط للتوجيهات وساهم في التنظيمات الموازية ... جرب الفعل فكاد ان يصبح مرفوعا ... بدا له ان الرفاق حائرون ، يتساءلون اي مصير ينشدون ... بعد الضرب والقسمة لم يعد ما يجمعهم لان الايقاع \ الطرح لم يعد منسجما ... اتضح ان ما يجري أمامه هو نتيجة لأدوات الجر ... الجار والمجرور \ المضاف والمضاف اليه ... لا أحد قادر على النعث ... الحال سيبقى على ما هو عليه ... يبحث عن أدوات الجزم فانتهى به المطاف الى الجزم بعم الخوض في غمار كل شيء ...
يلتقط الاشارة تلو الاخرى... يرتكب احيانا حماقات واحيانا يصبح موضوعا لمن لا موضوع له ... تلتقطه الاعين و تزدره الألسن ... يرتمي بين دفتي كتب التاريخ ، باحثا في الجذور والأصول ... خاصم القبائل والاعراق ، أبعد عنه المذاهب والمعتقدات ... توص الى ان ذاته ممزقة بين الاندلسي والافريقي والامازيغي والعربي ... بحث عن الذاكرة واللسان الموحد فلم يجد سوى حوليات ولهجات و أهازيج شطحت دماغه ... قرر الابتعاد فلحس بالإبعاد ...
سمع عن الانسان وحقوق الانسان ، عن الاعتقال ، عن الاختطاف ، عن الخروقات ، عن الانتهاكات ، عن المصالحة وطي الصفحات بدون رصاص ... قرر العودة الى كل شيء انطلاقا من هذه الزاوية الحادة ... عاشر المنتديات والمجالس والهيئات والجمعيات ... انغمس في خضم المعارك لنصرة الانسان ولتحقيق الحقوق ... اختلطت في ذهنه مفاهيم المصالحة والانصاف والحقيقة والدفاع والجمعية والعصبة ... تساءل عن أي انسان يقصدون :
المستقر بالحواضر
ام الساكن بالقرى والارياف ؟
ام القابع بقمم الجبال والمنتشر وسط الفيافي بالصحراء والواحات ؟
بحث عن الجبار المسؤول والقادر على جبر الضرر اللاحق بالبشر وبالحجر ... اكتشف ان ما أفسدته السياسة لا يمكن ان تصلحه سوى السياسة بعيدا عن المتاحف الفكرية والمزارات والحديث عن حفظ الذاكرة المفقودة أصلا...
تنوعت وتعددت أمامه المداخل والمقاربات الفكرية ... انزوى ليرصد التحولات والتبدلات ، فوجد نفسه داخل فضاءات التسويق للأفكار وللسلوكيات وللمواقف ... ادرك صعوبة الفصل المنهجي بين الترابطات المؤسسة لنسيج كل شيء ... انغمس في تنظيمات ومؤسسات المجتمع المدني فهمشه الفساد وضيق عليه الخناق المفسدون ... استبد المستبدون ببلورة المشاريع فنزعوا منه روح المبادرة وروح التطوع فاحتكروا تمويل كل شيء ...
تأمل هادئا كل شيء فغاضه كثيرا شراء الضمائر لتزوير الارادة والمصير ... توافقوا و تراضوا على التضليل والنفاق وتناوبوا على مصادرة الحق والقانون ...ربطوا علاقات الاخوة والصداقة مع الاخطبوط الذي يمنع و يمنح متى يشاء وكيفما يشاء ... تأسف على الديمقراطي الذي لم ينتقل وعلى الدستور الذي يخفي خلفه التعليمات والاملاءات والمحسوبية المغلفة بالزبونية ...
هيمنت عليه الاخفاقات \ انهكته الانتكاسات ... تعددت \ اختلفت أمامه الوجهات \ الاتجاهات \ التوجهات \ التوجيهات ... فقد المعنى لكل شيء \ الثقة في كل شيء \ لم يجد موقعا له وسط كل شيء ... مزق أوراقه وأتلف مذكراته ... فكر في كل شيء .. لم يعد يعنيه اي شيء ... أصبح جزءا من كل شيء ... ينتظر ان ينتشله كل شيء من كل شيء ...
محمد أمشياع
اولادتايمة في 03 \ 03 \ 2009