إن ما يقضي على تلك النزعة التاريخية التي يعتنقها العــروي ويحطمها من أسسها، هو تشبت صاحبها بالهوية المتوحشة. أعني بهذا تمسكه بسؤال سادج حول الوجود. وهكذا فإن العروي يخلط بين الآخر، وبين الغير، والآخرين. إنه لا يميز بين الأنتربولوجية الثقافية، وبين فكر الإختلاف. وهو يخلط بين التاريخي والوجود التاريخي الأصيل. هذا فضلا عن أن ما يقوله عن الوجود العربي يتهاوى لوحده. ولسنا في حاجة إلى إبراز ضعف ذلك. فهو يقول على سبيل المثال في كتاب "الإيديولوجية العربية المعاصرة"، الطبعة الفرنسية ص، 51: "منذ ما يقارب ثلاثة أرباع القرن، والعرب يطرحون على أنفسهم السؤال نفسه، من هو الآخر، ومن هو أنا؟". فكما لو لم يكن هذا السؤال هو السؤال الاساس الذي يطرحه التفكير في الوجود على الدوام. فيا لها من سداجة، تلك التي تدفع العروي إلى أن يتناسى مسألة الوجود والموجود، ومسألة الهوية والاختلاف، كما طرحتهما الفلسفة الإغريقية والعربية. إن إيديولوجية العروي منهارة من أساسها.
[...]
[...] المغرب العتيق هذا الذي لم يعرف الكتابة، مازال حالا في جسد الشعب، تتجلى مظاهره بالرغم من الأدب الرسمي، وهي مظاهر تتخذ في بعض الأحيان شكلا رائعا يتجلى في الأدب الشعبي، وآداب الصوفية، وفي الوشم، والرسم التشكيلي الذي يستعمله الحرفيون، وفي روعة الغناء والرقص: إنها صور تكشف عن نشوة مغرب تميل وثبته المنتشاة نحو المحيط.

هذا المغرب العجيب في طريقه إلى الإضمحلال. وذاكرته كادت تدخل طي النسيان واللامبالاة. ونحن لازلنا نكرس ما أدخله الاستعمار والإثنولوجيا من تشويه. لا يعني هذا أننا نحن إلى بعث ما هو عتيق لأنه كذلك. بل نريد إحياء مغرب لا تدرك حقيقته لا العقيدة اللاهوتية، ولا قوة العلم وتمكنه. علينا إذن، إذا ما أردنا أن نرسم المغرب كأفق للفكر، وأن ننظر إليه كمنبع يفيض فنا وروعة، علينا أن نجعله في مستوى الوجود في حقيقته.
[...]
[...] إن فكر الاختلاف هو خلخلة للميتافيزيقيا، عن طريق نقد مزدوج، وصراع مزدوج وموت مزدوجة [...] وفي الواقع، ليس أمامنا إلا خيار واحد، هو أن نفكر في المغرب كما هو، أي كمكان طبوغرافي يقع على مفترق طرق بين الشرق والغرب.إن المغرب كأفق للفكر، لم يُعرف بعد. فمن جهة ينبغي أن ننصت إليه وهو يــــلـــــهــــج بلغته الخاصة (بلغاته)، ومن جهة أخرى، فوحده الخارج إذا ما أعيد التفكير فيه، وزحزح عن مركزيته، وخلخل، وأبعد عن تحدياته المهيمنة، وحده هذا الخارج من شأنه أن يبعدنا عن الهوية العمياء والاختلاف المتوحش.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- النص مقتبس بتصرف من كتاب "نحو فكر مغاير"، للمفكر المغربي عبد الكبير الخطيبي.
- شرت مجلة الدوحة القطرية (عدد 67، ماي 2013) النص بالإضافة إلى مجموعة أخرى من النصوص للمفكر المغربي عبد الكبير الخطيبي في شكل كتاب يحمل عنوان "نحو فكر مغاير"، أنجز ترجمته الأستاذ عبد السلام بنعبد العالي.

- نشر النص لأول مرة باللغة الفرنسية في:
Les Temps Modernes (Du Maghreb), N° 375 Bis, Octobre 1977, pp 7-20.
- نشر الأستاذ عبد عبد السلام بنعبد العالي الترجمة العربية للنص في المجلة المغربية "أقـــلام"، عدد 4، أكتوبر 1978.