تفاصيل صادمة عن المصنع الذي اودى بحياة العشرا ...
استاذ جامعي يفضح : الشواهد الجامعية تباع وتشت ...
اختلالات في محاربة كورونا (كوفيد19) بالأكاديم ...
رأي في حدث
بقلم خالد منتصر
الأكثر غرابة وإدهاشاً وصدمة من قرار أردوغان بتحويل متحف آيا صوفيا والذى كان كنيسة من قبل إلى مسجد، هو موقف المصفقين الراقصين الفرحانين الذين يتعاملون بمنطق ألتراس كرة القدم، ويرفعون لافتة ها هم المسلمون يكسبون نقاطاً أمام المسيحيين فى مباراة الثأر!!!، انتصارات وهمية ليس لها أى مردود حضارى أو اقتصادى أو سياسى على أرض الواقع، لن تجعل دولنا الإسلامية فجأة عمالقة اقتصاد مثل الصين البوذية أو اليابان الشنتوية أو كوريا الجنوبية اللا إبراهيمية، إنها مجرد حالة تحرش دينى وغزل لغوغاء الفاشية الدينية الذين يرسخون ويثبتون حكم الإخوان فى تركيا، برغم اعتراضات اليونان وروسيا واليونيسكو، صمم أردوغان على مغازلة القطيع على جثة أسس الدولة المدنية التى أرساها أتاتورك ونهضت بالرجل العثمانى من موته الإكلينيكى إلى نهضته الصناعية الكبرى، بيان وزارة الثقافة اليونانية قال إن قرار المحكمة التركية بتحويل آيا صوفيا إلى مسجد يمثل «استفزازاً صريحاً» للعالم المتحضر، وقالت وزيرة الثقافة لينا ميندونى فى بيان «قرار اليوم، الذى جاء نتيجة الإرادة السياسية للرئيس رجب طيب أردوغان، استفزاز صريح للعالم المتحضر الذى يعترف بالقيمة الفريدة والطبيعة المسكونية لهذا المعلم الأثرى»، وعبرت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية عن أسفها لعدم إصغاء القضاء التركى إلى «مخاوف ملايين المسيحيين»، وسماحها بتحويل كنيسة آيا صوفيا السابقة فى إسطنبول إلى مسجد، ونقلت وكالة الأنباء الروسية «إنترفاكس» عن المتحدث باسم الكنيسة فلاديمير ليغويدا قوله «نلاحظ أنه لم يتم الإصغاء إلى مخاوف ملايين المسيحيين»، ومن ناحيتها، نبهت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو)، إلى أن آيا صوفيا أُدرجت ضمن التراث العالمى باعتبارها متحفاً، وهذا الأمر له طابع إلزامى، وأعربت «يونيسكو» عن قلقها للسلطات التركية، من خلال عدة رسائل، عبر السفير التركى لديها، وكان أردوغان قد أثار مسألة تحويل آيا صوفيا إلى مسجد، قبل الانتخابات البلدية فى 2019، لكن «العدالة والتنمية» تلقى ضربات موجعة أفقدته بلدية إسطنبول، أكبر مدن البلاد، وآيا صوفيا جرى تشييدها فى عهد الإمبراطورية البيزنطية، خلال القرن السادس الميلادى، وكانت بمثابة كرسى للكنيسة الأرثوذوكسية اليونانية، ثم تحولت إلى مسجد بعد دخول العثمانيين إلى إسطنبول فى 1453، وفى 1935 تم تحويلها إلى متحف، هكذا يقول التاريخ الماضى، ومن الممكن أن يقول التاريخ المستقبلى بناء على هذا التلاعب الأردوغانى أن المسجد الأقصى سيهدم لكى يبنى مكانه معبد يهودى وتستغل قصة هيكل سليمان وساعتها لن يجدى الكلام هل الهيكل أسطورة أم حقيقة، وليس مزاج رئيس الوزراء الإسرائيلى أقل من مزاج الرئيس التركى، وواحدة بواحدة، وما دامت المسألة مزاجات فليحترق العالم ما دام نيرون العثمانلى يريد ذلك، هذه التحرشات الصبيانية المؤججة للطائفية والعنصرية المفروض أنها تنتهى فى العالم المتحضر الذى تأكد أن المبارزات الدينية الدينية هى أول مسمار فى نعش الحضارات، وأنه لم تنجح دولة دينية عبر التاريخ، وأن عصر النهضة قام بالفكر العلمانى وفصل الدولة عن الكنيسة، تحويل الصراع إلى صراع دينى وعودته لاحتلال صدارة المشهد خطوة خطيرة، والعجيب أن آيا صوفيا قد تحولت وبيوت الدعارة التركية لم تتحول!!، وهذا دليل على أن الوازع ليس خوفاً على الدين ولا انحيازاً له، وإنما من باب الكيد والغيظ والتحرش الذى طالما ضيع العثمانلية عبر التاريخ.
لم يفهم كثير من المغاربة لماذا لم يقم وزير حقوق الإنسان، بتسجيل كاتبته في صندوق الضمان الاجتماعي، وهي التي أفنت زهرة عمرها في العمل في مكتبه، وإليكم إحدى التفسيرات الممكنة:
يعيش الإسلاميون ذهنيا خارج الدولة الحديثة ومؤسساتها، وعندما يضطرون إلى خوض الصراع السياسي داخلها فذلك فقط من أجل الوصول إلى السلطة، أما منطق الدولة فهو يزعجهم ولا يتماشى مع أهدافهم، ولهذا فالمعجم الذي يعمل به الإسلاميون ويؤمنون به هو : “الثواب” و”الأجر” و”الجزاء” و”الحسنات” و”المغفرة” و”العطف” و”الشفقة”، وهو معجم لا علاقة له بمؤسسات الدولة الحديثة، التي تقوم على ثلاثية: “القانون”، “الحق” و”الواجب”. فتسجيل الكاتبة في صندوق الضمان الاجتماعي عمل لا “ثواب” فيه ولا “أجر” لأنه فقط مجرد “واجب”، أي أمر دنيوي محض لا جزاء فيه عند الله، بل هو مجرد تدبير انتفاعي لعلاقة الفرد بالدولة، لكنه لا يُدخل الإنسان إلى الجنة، أما إرسال قُفة إلى بيت الكاتبة وعائلتها في شكل صدقة أو مساعدتها عند مرضها فهو يدخل ضمن العمل الصالح الذي يجلب “حسنات”، لأنه “صدقة”، ولأن ثقافة الصدقة هذه هي المنتشرة عوض ثقافة الواجب، فإن معظم المغاربة يفضلون تمويل مسجد على تمويل مدرسة متهالكة وتجهيزها، فالمدرسة شأن دنيوي يتعلق بصناعة المواطن، أما المسجد فهو استثمار في الآخرة، وفضاء للتفريغ والتهدئة.
لهذا يعمد الإسلاميون إلى توزيع القفة عوض أن يقوموا ـ وهم مشاركون في الحكم ـ بوضع سياسات رشيدة لإنهاء الفقر، وجعل الناس يعيشون بكرامة بدون حاجة إلى من يتصدق عليهم، فالسياسة والحكامة الرشيدة موجودة في الدانمارك، البلد الذي احتل الرتبة الأولى في جودة الحياة خلال السنة الماضية، والذي تقول الإحصائيات إنّ 83 في المائة من سكانه ملحدون لا يؤمنون بالغيبيات ولا ينتظرون جزاءً أخرويا من قيامهم بواجبهم ومن احترام القانون، ولكنهم يُحسنون تدبير شؤون دنياهم لكي لا يُظلم عندهم أحد، ولا يُعتدي عليه، هذا ما يفسر أيضا أن الردّ في الدفاع عن الوزير جاء من خلال التذكير بأنه قد “أعطى وأوفى لها” أي لكاتبته، وذلك بالعطف والصدقات والمنن التي أنعم بها الوزير عليها إذ هي حسب ما قيل “بمثابة ابنته”، لكي تتم التغطية على عدم أداء مصاريف الضمان الاجتماعي.
إن الوزير لم يقم بواجبه تجاه كاتبته، لكنه تصدق عليها وعلى عائلتها “ابتغاء مرضاة الله”، وهكذا ضرب عصفورين بحجر واحد، ظل مخلصا للمنطق الفقهي القديم وخارج منطق الدولة، محققا بذلك قربه من الله ومن الجنة، وفي نفس الوقت أرضى كاتبته وعائلتها بصدقاته ومننه وعطفه. لكن مشكلة الوزير أنه يتولى داخل الحكومة تدبير موضوع هو من آخر ما ابتكرته البشرية في ظل الدولة الحديثة التي يمقتها، وهو موضوع “حقوق الإنسان”، الذي لا علاقة له بمنطق الفقه القديم ولا بمنطق الصدقات، ومن الحقوق البسيطة أن يُسجل كل موظف في نظام التغطية الاجتماعية.
يعيش الإسلاميون تمزقا كبيرا في دواخلهم بين الدولة والدروشة، بين الإدارة والإمامة، والقانون والحسبة، بين ربطة العنق والعمامة، تمزق يساهم في عرقلة تطور الدولة والمجتمع، وجعلنا في مأزق مأساوي، لا يسمح لنا بالعودة إلى الوراء واستعادة “الخلافة”، كما لا يتيح لنا المضي إلى الأمام نحو دولة القانون، كل ما نتمناه أن يجعل هذا التمزق إخواننا الإسلاميين يفهمون الدرس ومعنى الانتماء إلى الدولة وإلى الوطن، وأن يدركوا أنّ التقية إن كانت تاكتيكا ينفع مرحليا في الانتخابات، فإنه لا يصنع مستقبلا آمنا.